سمات الأسرة المدمنة


سمات الأسرة المدمنة

والأسر المدمنة ، تطـور من تلك القواعد ، سـمـات مـحـددة وطرقا ، يستعملها أفراد تلك الأسر في التعامل مع بعضهم البعض . أضف إلى ذلك ، أن وجـود بعض الأفـراد بهذه السـمـات في أسرة من الأسـر لا يعني أن كل أعـضـاء الأسـرة سـوف يدخلون دائرة الإدمان بصوره المختلفة ، أو يسلكون سلوك المدمنين على وجه اليقين .

وواقع الأمر ، أن بعض المدمنين ينحدرون من أسر لا تدخل ضمن هذه الصورة العامة ، برغم صغر عدد الأسر التي تكون من هذا القبيل . وفيما يلي نستعرض أكثر هذه السمات شيوعا :-

أولا : التوازن الأسرى المختل .

ثانيا : غياب نماذج حل المشكلات .

ثالثا : الصدمات النفسية .

رابعا : الافتقار الى المرح .

أولا : التوازن الأسرى المختل

يندر في الأسر المولدة للإدمان ، أن يصرح أفرادها بذلك الذي يعنونه بحق . وبدلاً من ذلك ، يغلب على تواصل هذه النوعية من البشر ، أن يكون غيـر مـبـاشـر وملىء بالإغراء ، والجـاذبيـة والتـخـويف . وسبب ذلك ، أننا إن أردنا التواصل المبـاشـر والواضح ، فذلك يحتم علينا الإحساس بالشخصية – من نكون ، وكيف نحس ، وما الذي نفكر فيه ، وما الذي نريده ، وما الذي لا نريده ؟ ويتحتم علينا أيضا أن نرسم حدودا – أين ننتهى ومن أين يبدأ الآخر ؟ ويتحتم علينا أيضا أن نكون مستعدين لتحمل المسئولية عن اتصالاتنا مع الآخر – وليس عن تغيير ما نقول استهدافا منا للحصول على استحسان الآخر لنا أو من أجل الحفاظ على “سلام هش متأرجح .”

وأعضاء الأسر المدمنة يلاقون المتاعب من هذه السمات الثلاثة .

السبب الأول ، لذلك هو أن أولئك الأفراد ليسوا على اتصال تماما بمشاعرهم ، ومـدركـاتهم ، أو مع رغباتهم ، نظرا لأنهم سبق أن دفنوا تلك الأشياء منذ زمن طويل عندما كانوا أطفالاً – ونحن لا نستطيع مطلقا توصيل ذلك الذي لا نـعـرفـه نحـن ، في الأساس ، إلى شخص آخر .

السبب الثانى ، أن أولئك الأفراد يـفـتـقـرون إلى الحـدود ويغلب أن تكون قرابتهم مع الآخرين من منطلق أنهم مجرد امتدادات لهم هم أنفسهم ، كما سبق أن أوضحنا . والأسرة المدمنة تفشل في تعليم أطفالها الإصرار ، والحزم في القول ، وأن يتخذوا موقفا إيجابيا وهم يشبعون احتياجاتهم الخاصة . وعوضا عن ذلك ، تعلم هذه الأسر أطفالها ( سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة عن طريق القدوة ) السلبية ( ألا يقول المرء شيئا مباشرا وإنما يستميل الناس ليجعلهم يفعلون ذلك الذي يريده هو ويبتغيه ) أو العدوان ( فرض القوة على الآخرين عن طريق التخويف ) . وفي أغلب الأحيان ، تستبد بالشخص الذي يظل سلبيا معظم الوقت ، نوبات الغضب ، عندما يصبح غير قادر على كبت ذلك الغضب في داخله .

السبب الثالث ، هو أن أحدا من أولئك البشر لا يرغب في تحمل مسئولية ذلك الذي يقـوله بحق . وكما سبق أن أوضحنا في الأسرة المدمنة ، فـإن أفراد مثل هذه الأسرة يعطون ، في معظم الأحيان ، الأولوية الأولى للحفاظ على صورة الأسرة لدى الغير ، أكثر من الحفاظ على الأصالة والأمانة والواقعية . هذا يعني أن أفراد مثل هذه الأسر ، لا يرغبون في أن يكونوا ذواتهم الحقيقية ، ويكسرون كود الالتزام نظراً لافتقارهم إلى المساندات الداخلية اللازمة لمقاومة وتحمل “الحرارة” التي سيتلقونها من الآخر الذي يريد منهم الالتزام بالنص ، ويترتب على ذلك ،

 أن يغلب على التواصل بأن يأخذ شكلاً من الأشكال التالية الهادمة للذات :-

العنف الصامت : نظرا لأن النمط المكبوت من العائلات المدمنة لا يطيق المواجهة الصحية ولا يقوى عليها ، فأفراد هذا النوع من الأسر يعبرون عن مشاعرهم من خلال الحالات النفسية أو ما يطلق عليه اسم “العنف الصامت” . هذا يعني أن أفراد مثل هذه الأسر يعرفون أن شيئا ما يحير أو يضايق الوالد أو الوالدة أو الشقيقة ولكن يتعين عليهم أن يخمنوا ذلك الشيء . والشخص الذي يصاب بالاضطراب لا يكون مسئولاً عن ذلك الشيء أو عن تقريره أو البت فيه ، ويروح عوضا عن ذلك يحاول استمالة الآخرين عن طريق الإحساس بالذنب ، والعبارة التي تقول : “هل ترون ذلك الذي تسببونه لي خير مثال على روغان أولئك الأفراد من المسئولية .

التخويف : يشيع في الأسر المدمنة ذات الطابع الانفجاري التخويف من خلال الاستهزاء والسخرية ، والطعن في الظهر ، وعن طريق التهديد السافر الصريح ويجرى الحديث عن أفراد مثل هذه الأسر من وراء ظهورهم ، من هنا فإن كل فرد من أفراد الأسرة يستشعر أنه هو نفسه يمكن أن يبتر أو يجتث – حتى وإن تلطف معه أفراد الأسرة عندما يكونون معه وجها لوجه وبالرغم من أن منزل الأسرة التي تكون من هذا القبيل ، ينبغي أن يكون ملاذا آمنا ، ومكانا “للتزود” بالمشاعر العاطفية ، إلا أن أفراد الأسرة المدمنة يحتاطون في معظم الأحيان للضربة النفسية القادمة . والشخص الذي ينشأ على الخوف أو يتربى فيه يستشعر عجزا كبيرا عندما يحاول إنشاء علاقات حميمية راشدة ، والسبب في ذلك ، أن حذر مثل هذا الشخص المفرط هو الذي يجعله . يخبر القمع والتهديدات حتى عندما لا تكون قائمة أو موجودة .

التثليث : الأسر المدمنة يغلب عليها التواصل من خلال بعضها البعض وليس إلى بعضها البعض . وهذا هو ما يسمى بـ “التثليث” فالأم مثلا ، عندما تصاب بوعكة مع ولدها ، فقد تحكى ذلك لابنتها أو لزوجها ، وهي تعلم أن ذلك سوف يصل إلى مسامع ولدها . وبهذه الطريقة ، يظل طرفا المشكلة يتعين عليهما أن يحافظا على الوهم الذي مفاده أنه لا توجد أي مشكلة بينهما ، والسبب في ذلك أن المواجهة وجها لوجه في الأسر المدمنة المكبوتة أمـر غير وارد ولا يفكر فيه أفرادها . وهذا يجعل الحميمية الحقيقية – تقاسم الذوات – أمرا لا يقبل التحقيق .

والنتيجة النهائية لكل ذلك التواصل غير الصحي تتمثل في :-

أن أفراد الأسرة يتـعـلـمـون ألا يثـقـوا بما يقوله الناس . (1)

(۲) وتنمـو لديهم قـرون اسـتـشـعـار “غاية في الحساسية ، أو إن شئت فقل : تنمو لديهم مقدرة قراءة المفاتيح غير الكلامية حتى يتمكنوا من تحديد ذلك الذي يدور .

(۳) يخبرون مستويات مرتفعة من الارتباك والتوتر والسبب في ذلك أنهم لا يمكن أن يعولوا على التواصل الحقيقى الأمين .

(٤) ويحسون أيضا أنهم معرضون للإغراء والإغواء ، والتحايل ، وللسيطرة بصورة مستمرة ، كما يشعرون أيضا بأنهم لا ينعمون بالغوث أو الارتياح .

(5) ويفشلون هم أنفسهم في تعلم أنماط التواصل الصحى السليم .

 

ثانيا : غیاب نماذج حل المشكلات

سبق أن أوضحنا أن كثيرا من العائلات المدمنة تنكر وجود المشكلات التي يتعين أن يبدأ منها العلاج . زد على ذلك ، أن محاولة الأسرة المدمنة الإبقاء على صورة طيبة للأسرة والحفاظ على تلك الصورة يستبعد عن مثل هذه الأسرة أن تكون واقعية .

وحـفـاظا على هذه الأسطورة ، كمـا يقـول روبرت سوبی فـإن مـثـل هـذه الأسرة تكون لديـهـا قـاعـدة غيـر مـلـفـوظة تمنع الكلام عن المشكلات التي من قبيل مشكلات الزواج ، والمشكلات البدنية ، والمشكلات الجنسية والإساءات العاطفية ، أو الحديث عن إدمان فرد من أفراد الأسرة أو مجرد الكلام عن المشكلات النفسية .

ومعروف أن المشكلات لا يمكن حلها إلا إذا تحدثنا عنها وأطفال الأسرة المدمنة ينتهون إلى الإحساس بأنهم ليسوا على المستوى المطلوب کی یواجـهـوا تحـديات الحياة ، من منطلق أنهم ليسوا أهلاً لمواجهة تلك المشكلات .

 أضف إلى ذلك ، أن أولئك الأطفـال لـم يـتـعـلـمـوا طريقة حل تلك الصراعات أو القـيـام بالأعـمـال البناءة . ويترتب على ذلك ، أن المشكلات عندمـا تنشـأ وتحـتـم على الطفل مواجهتها ( وهذا هو ما يحدث في مرحلة المراهقة ) ، تجعله يحس بقلة حيلته وعدم قدرته على مـواجـهـتـهـا أو حلهـا ..وهنا يبدأ مثل هذا الطفل في تجنب المشكلات قـدر المستطاع .

وفي مرحلة لاحـقـة ، وبعد أن يقطع الطفل شوطا في ذلك الطريق ، يحـدث أن يتعرض للمخدرات ، أو الكحوليات ، أو المقامرة ، أو قد يتعرض لأي مغير أخر من مغيرات الحالة النفسية – تلك الطلاسم السحرية ! وهو عندما يدخل نوبة السكر ، يغيب عنه الإحساس بتوتره الداخلي ، وينسى المشكلات التي تعترضه في مقرراته الدراسية ، ومشكلاته مع مدرسته ، وأيضا مشكلاته مع عشيقته . وإذا كان الطفل قد شاهد والده وهو يواجه المشكلات بهذه الطريقة ، فسوف يقتنع بها ويرضى عنها هو أيضا .

 

ثالثا : الصدمات النفسية

يتعرض أطفال الأسر المدمنة ، في معظم الأحيان ، لبعض الصدمات النفسية الصارخة بشكل أو بآخر . والصدمة النفسية تعرف بأنها عبارة عن تجربة سلبية أو إن شئت فقل صدمة ، يكون لها تأثير نفسی عمیق ودائم .

وأكثر الصدمات النفسية شيوعا تلك التي تنجم عن العيش في أسرة يكون الأب فيها مدمنا . ونسبة 60 في المئة من المراهقين الذين يدمنون المخدرات ، أو المشروبات الكحولية ، آباؤهم يدمنون تعاطى مادة واحدة من مواد الإدمان ، في أضعف الأحوال ومن بين الصدمات النفسية الشائعة الأخرى ، في مثل هذه الأسر ، انتشار الأمراض الخطيرة أو الوفاة ، وبخاصة إذا لم يكن لدى الطفل مساندة عاطفية ومعلومات كافية عما يدور .

يضاف إلى ذلك ، أن العنف البدني ، بطبيعة الحال : من الصدمات النفسية الواضحة التي ترتبط بالإدمان في مراحله الأخيرة . ومن بين ٢٥٠ أسرة جرت مقابلتها في واحد من مراكز علاج المراهقين المدمنين ، تبين أن الغالبية العظمى من تلك الأسر خبرت العنف البدني بشكل أو بآخر . وهذه الصدمات قد تكون واضحة وصارخة ، مثلما يحدث عندما نضرب الطفل على مرأى ومسمع من الجميع ، أو عندما يضرب في السر . أضف إلى ذلك ، أن الطفل – ذكراً كان أم أنثى – يصاب بصدمة نفسية أيضاً عندما يشهد العنف البدني يمارس ضد أي فرد من أفراد الأسرة .

أخيرا ، فإن معدل الإدمان يرتفع بشكل غير عادي ، بين الأطفال الذين يساء استعمالهم جنسيا عندما يكبرون ويصبحون راشدين . وعلى سبيل المثال ، فإن نصف مدمنات الجنس ، أسيء استعمالهن جنسيا عندما كن أطفالاً . أضف إلى ذلك ، أن النساء اللاتي كنا ضحايا للاغتصاب أو غشيان المحارم عندما كن أطفالاً الأرجح لهن أن تصبحن مدمنات بشكل أو بآخـر ، وذلك على العكس من أولـئـك النـسـاء اللاتي لم يخضعن لتلك الصدمة النفسية بصورة خاصة .

والأطفال عندما يتعرضون للصـدمـات النفسية في منازلهم ، يغلب عليهم أن يكشـفـوا أو يستعرضوا “أعراض توتر ما بعد الصدمة النفسية” ، التي يعاني منها المحاربون والتي تتمثل في : الاكتئاب ، الكوابيس ، الخدر العاطفي ، الانسحاب السلبي ، والعدوانية غير المسحوبة . والطفل إذا ما مر بتجربة الصدمة النفسية في طفولته ، يصبح معرضا للإدمان ، والسبب في ذلك أن الطفل – ذكراً كان أم أنثى – إذا ما أراد أن يواجه العار والخزى ، وقلة الحيلة، والغضب الذي تفرزه الصدمة النفسية ، فإنه ينمو لديه ميل طبيعي إلى “تخدير” مشاعره – وهذا هو ما تفعله أدوية الإدمان على أفضل وجه .

 

رابعا : الافتقار إلى المرح

منظومة الإدمان تخلو من المرح أو التلقائية . وهذه المنظومة ، يكون فيها في معظم الاحيان بعض أشكال المرح الإجباري ، الذي من قبيل الاجتماعات العائلية الطقوسية التي ترمي إلى المحافظة على أسطورة الأسرة السعيدة ، أو “الحفلات” “الإجبارية التي تقوم في الأصل على قدر كبير من المأكولات والمشروبات .

 والمرح الحقيقي يتطلب التخلى عن السيطرة والتحكم، وقـبـول مـخـاطرة الاتهام « بالحـمـاقـة » – وهذا أمـر تتحاشاه الأسر المدمنة والتـرفـيـه في الأسر المدمنة ينصب في أغلب الأحـيـان علـى مـصـالـح الكبـار .

وهذه هي ماريا تتماثل للشفاء من إدمان الجنس وتعاطي الكحوليات ، تحكى لنا أنها عندما كانت طفلة كانت ترافق والدها عندما يذهب لصيد السمك ، نظرا لأن والدها كان يحب ذلك . وبعد أن كانا ينتهيا من صيد السمك ، كانا يعودان إلى الحانة المحلية ويمضيان فيها وقتا طويلاً . تقول ماريا إنها لم تحاول الإكثار من شكواها ، خشية ألا يأخذها والدها بعد ذلك إلى أي مكان آخر .

 

ومن خلال هذا الاستعراض للأسرة المدمنة يتضح لنا أن الشخص المدمن لا يدخل دائرة الإدمان من العدم ، معنى ذلك أن هناك بعض التجارب التي يكون ذلك الشخص قد مر بها أثناء طفولته ، هي التي جعلته يتجه صوب الإدمان بعد ذلك ، وذلك عن طريق تقديم معتقدات الإدمان إليه وتعزيزها لديه كما تقدم له وتعزز لديه أيضا طرق وأوهام مسايرة العالم الذي يعيش فيه .

 وإذا لم نبادئ بوقف تلك الأنماط الأسرية المولدة للإدمان فسوف يضطرنا ذلك إلى نقل مشكلاتنا الإدمانية إلى الجيل القادم . وإذا ما استمر إرسالنا لأطفالنا تلك الرسالة التي مفادها أنهم ليسوا على المستوى المطلوب ، فليس هناك داع لتعليمنا إياهم أخطار المخدرات ، أو كـمـيـة التوبيخ الذي نكيله إليهم كي يقولوا “لا لتلك المخدرات” . وواقع الأمر ، أننا نحمي أطفالنا من الإدمـان عندما نضـمـهم ونحتضنهم ونساعدهم کی يكونوا أفرادا مستقلين ، ولا نحاول قولبتهم ليصحبوا مجرد أشياء استهدافا لتعزيز اعتدادنا بالنفس الذي أصابه الترهل والارتخاء .

وإذا كان الفرد المدمن يتأثر بالتجارب والخبرات التي يخبرها في أسرته ، فإن أسرنا ، بدورها ، تتأثر أيضا بالمجتمع الذي توجد فيه . ونظرا لأن الأسرة هي المركبة الرئيسية التي تنتقل من خلالها قيم ثقافتنا الأكبر والأوسع ، فذلك يحتم علينا أن نتناول التأثيرات المجتمعية ودورها في نقل وباء الإدمان من جيل إلى جيل .

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *